
نرمين حبوش
صحفية ناجية من الحرب- غزة
ينتظر الإنسان سكون الليل؛ ليستمتع ضوء القمر يتسلل إليه من النوافذ المشرعة أو من بين ثنايا الستائر، وحين تنطفئ الأنوار، يأوي إلى فراشه، وفي اليوم التالي يحصد راحة للجسد وطاقة للذهن.
أما هنا... فلا ننتظر الليل، ولم يعد لضوء القمر؛ لأن الغبار والأدخنة المتطايرة من مواقع القصف تحجبه عنا، وحين يحل الظلام يزداد خوفنا، وتتوالى علينا الذكريات فنحزن حد البكاء، وإن لم تظهر دموعا رأفتا بأطفالنا فإن القلوب تبكي حتى تدمع، طال صبرنا، طالت معاناتنا، ولا نجد لأنفسنا حيزا نجهش فيه بالبكاء، وأصبحت أيامنا متشابهة، ولم يعد لفنجان القهوة الذي كان عادتنا الصباحية... أصلا نسينا عبوة البن في بيتنا يوم نزحنا... ولم نهتم بشراء علبة جديدة فالخبز أهم، ويكفينا مرارة الوداع للأرواح التي تحلق كل يوم صوب السماء... يرحم الله الشهداء.
حينما تتجول في الشوارع، يصيبك دوار يجعلك بالكاد تستطيع أن تلتقط أنفاسك من هول الدمار وحجم الفاجعة، فالأحياء السكنية أطبقت على الجثث والأشلاء، والكل عاجز عن انتشالها، وتنهمك الطواقم الطبية والدفاع المدني بالبحث عن الأحياء، بمعدات بسيطة يزيحون مئات الأطنان من الباطون المسلح، وينبشون بأظافرهم بحثا عن صوت لربما يأتي من بعيد.
هل علينا أن ننجب الأطفال؟ من سيحمهم؟ لماذا يعانون كل هذا الدمار؟ ومن المسؤول عن قتل الأطفال والأجنة في بطون أمهاتهم وهنا على وهن، كل الكلمات والفلسفات والمؤامرات لا تعزي فاقدا بمن فقد.
رغم الفقد والدمار...
صحيح... نتألم بصمت، ولكن الحكمة الربانية تلاطفنا بصبر وسكينة، تؤنس وحدتنا، وتشيح عنا ظلام الليل وبؤس النهار، تنتشلنا من أعاصير القلق والخوف، ونعلم أن غدا سيكون أفضل.
بمزيد من الحب والكره والضحك والبكاء والحزن والفرح أقول: السلام على غزة بمن فيها، وكل ما فيها.