استحضار الموتى رقميا يبث الأمل ولكن...

حاتم أبوزيد

  هل تخيلت يوما أن ترى يوسف "اللي شعرو كيرلي وأبيضاني وحلو" يعود من الموت بفيديو قصير ليخبر العالم بقصته، وما الذي حصل معه في الدقائق الأخيرة من حياته؟ تفاجئنا تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة يوما بعد آخر بقدرتها العالية على تجاوز حدود العقل، والتلاعب بالعواطف والمشاعر، وهو ما أثار جدلا واسعا حول مدى أخلاقية هذا الأمر، فتارة نرى الأموات يتحدثون عن قصصهم وآمالهم في الحياة التي فقدوها، وتارة نرى الأحياء يتحدثون ضمن سياقات مختلفة فيما بات يعرف بتقنية التزيف العميق، التي أحدثت ثورة هائلة في عالم التكنولوجيا والإعلام والإتصال.

مآسي وويلات وآمال..

يعيش المواطن الفلسطيني في ضنك يومي، وكأنه كتب عليه العيش وسط هذه المشاهد والأهوال، فآلة الحرب دمرت الحجر والشجر والبشر، وما نراه من مشاهد للاستهدافات المتتالية للمستشفيات والممرات الإنسانية ودور العبادة والبيوت التي تعج بالآمنين، يترك في النفوس آثارا نفسية وجروحا عميقة غائرة في الروح تحتاج سنوات طويلة للتعافي منها، ولعل من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يدرك مدى وحجم تأثر الناس حول العالم بمشاهد الموت والفقد في قطاع غزة، وكذلك المحتويات الفلسطينية من الضفة وغزة فهي تشير إلى أن الكل الفلسطيني بشكل اجمالي قد أصيب بمشاعر  الخذلان، الخوف، القلق، الحزن، الاضطراب الدائم الذي أنهك الروح وأذاب القلوب.

الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الأموات!

أعادت هذه التقنيات الأمل والنور في نفوس من فقدوا أحبة لهم، حيث أن جل ما يتمناه الشخص أن يرى من فقده للحظة واحدة، وهو ما استطاعت التكنولوجيا إنجازه، كل ما عليك فعله هو ادخال صور أو فيديوهات لمن فقدته من خلال برامج خاصة تعمل وفق خوارزميات متقدمة، لتقوم بدورها بمحاكاة ملامحهم ونبرة صوتهم والسرعة ولغة الجسد التي يتحدثون بها؛ لتستنسخها على هيئة رقمية يمكن التفاعل معها، وكأنهم عادوا للحياة!

لقد أتاحت الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي إمكانية البقاء على اتصال افتراضي مع أشخاص فارقوا الحياة، وتتخذ من الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يقوم على بناء معلومات جديدة من البيانات السابقة، ليقوم بدوره بإنشاء محتوى جديد سواء كان نصا أو صورة أو فيديو وسيلة لها، ومن التطبيقات التي تعتمد عليه: (ChatGPT) و(Bard) اللذان يتصدران المشهد التكنولوجي عالميا.

جدل ومخاوف

بالرغم من الفوائد الهائلة التي وفرتها تقنيات الذكاء الاصطناعي من تسهيل إنجاز للأعمال، وتقديم حلول وبدائل مذهلة في مختلف الحقول، إلا أنه لا يزال يثير الجدل حول مدى منطقية هذا الفعل (استحضار الموتى) دينيا وأخلاقيا.

تشير الكاتبة أمينة خيري في مقالة نشرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية "الذكاء الاصطناعي والدين... عندما يدخل الإيمان "المحراب الرقمي"؛ بأن هناك مخاوف عديدة تعتري رجال الدين في هذا الشأن، حيث إن الغالبية غارقة في البحث والتفنيد في الأحكام الشرعية لما يتم إنجازه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، من حيث جواز استخدامها أو حرمتها، وهل يصح اللجوء إليها بدلا من الدعوة لإحياء العقل.

ولعل كل ما ينبثق عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والنماذج التي تنشئها، لا تخرجها عن كونها آلة وبرمجة من صنع الإنسان، وهي لا تستطيع أن توفر لهذه المحتويات صفات الكائنات الحية؛ لكنها تتماشى مع المنهج العقلي القائم على التفكير والإبداع والنقد بما فيها تفكيك المضامين، وإعطاء أحكام بخصوصها قائمة على النفي والتصديق لما يتم تداوله، وهو ما يعزز الدعوة لتعزيز مهارات التربية الإعلامية والمعلوماتية.